بين زحام المدن والانغماس في الشاشات وضغوط العمل، يتسرب التركيز والانتباه قطرة وراء الأخرى، مما قد يمثل أكبر معوق للنجاح في الحياة عموما ناهيك عن مجالات مثل العمل والدراسة.
وفي عالم تزداد فيه عوامل الضغط العصبي والذهني، فإن الطبيعة تبرز كوسيلة إنقاذ وعامل شفاء، وفقا لدراسات عديدة أكدت أن التنزه وسط الطبيعة من شأنه أن يحسن المزاج ويشحذ القدرات الذهنية.
ولذلك فلا مناص من طرح السؤال الذي يقول:
كيف نعيد ضبط عقولنا من جديد وسط تلك المشتتات المتزايدة؟الإجابة قصيرة وبسيطة، وهي أن 10 دقائق فقط وسط الطبيعة ربما تكفي لتحسين المزاج وشحذ التركيز، وإذا وصلت إلى 50 دقيقة فقد تتحسن الذاكرة العاملة بشكل كبير.
هذه النصائح ليست مجرد كلمات للتحفيز، بل خلاصة عملية وردت في كتاب جديد بعنوان "الطبيعة والعقل"، يشرح فيه الدكتور "مارك بيرمان" لماذا تُعد المساحات الخضراء أداة معرفية لا مجرد مشهد جميل، وكيف أن إدخال الطبيعة في نسيج المدن ضرورة صحية عامة، وليست مجرد أداة تجميلية.
بيرمان الذي يرأس قسم علم النفس بجامعة شيكاغو الأميركية، يرى أننا في زمن يقضي فيه الناس معظم الوقت في أماكن مغلقة، وأن العودة المنتظمة إلى الطبيعة ليست مجرد ترف، بل ضرورة للصحة النفسية والانتباه والإبداع.
وفي حوار حول الكتاب نشره موقع "سيكولوجي توداي" المتخصص في علم النفس والصحة النفسية وتأثيراتها على الحياة اليومية، يؤكد بيرمان أن بناء عادات قصيرة ومتكررة للتعرض للطبيعة يشبه الاستثمار المركب، حيث تتراكم مكاسب صغيرة يوميا لتدعم صفاء القرار والأداء على المدى الطويل.
الطبيعة ترمم الانتباه
يلفت أستاذ علم النفس إلى أن نظرية استعادة الانتباه تفسر الترميم الذي تحدثه للطبيعة للعقول، عبر إراحة الانتباه الموجّه، وتنشيط الانتباه اللاإرادي، بما يسميه "الافتتان اللطيف"، مشيرا إلى أن مشاهد مثل تمايل الأغصان أو حركة الغيوم تستدعي الانتباه بلا كلفة معرفية عالية، مما يقلل التعب الذهني ويعيد شحن التركيز.