تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

القس متري الراهب: العنف البنيوي الذي تصنعه الأنظمة هو العنصر المغيّب في مقاربات السلام

القس متري الراهب: العنف البنيوي الذي تصنعه الأنظمة هو العنصر المغيّب في مقاربات السلام

فيينا – قدّم القس الدكتور متري الراهب، رئيس جامعة دار الكلمة في بيت لحم، مداخلة في الطاولة المستديرة التي نظّمتها مؤسّسة برو-أورينتي الكاثوليكية بالتعاون مع الأكاديمية الدبلوماسية في العاصمة النمساوية، تحت عنوان "دور الأديان في مجتمعات مزّقها العنف" الأسبوع الماضي. وجاء اللقاء في سياق تزايد الحاجة إلى مقاربة دبلوماسية تراعي حضور العامل الديني في النزاعات الراهنة، باعتباره عنصرًا لا يمكن تجاوزه في فهم الصراعات وصناعة السلام.

استهلّ الراهب مداخلته بالإشارة إلى إشكالية العنوان نفسه، معتبرًا أن الأديان ليست فاعلًا مباشرًا، بل البشر الذين ينتمون إليها، وأن هؤلاء يتحركون وفق هويات متعدّدة تتجاوز الإطار الديني وحده. وانتقد اختزال العنف في مستوييه الفردي والجماعي، مؤكدًا أن “العنف البنيوي الذي تصنعه الأنظمة” يغيب غالبًا عن التحليل. وتوقّف عند ثلاث محاولات لم تنجح في الحدّ من دوائر العنف: السعي إلى المصالحة من دون إطار سياسي يضمن العدالة، وتحويل الحوار الفلسطيني–الإسرائيلي إلى “سلعة” ارتبطت بتدفّق التمويل قبل أن تتهاوى بعد حرب غزّة، إضافة إلى فشل مبادرات جمع القيادات الدينية لأنها كثيرًا ما تكون جزءًا من المشكلة لا من الحل.

القس متري الراهب: العنف البنيوي الذي تصنعه الأنظمة هو العنصر المغيّب في مقاربات السلام
القس الدكتور متري الراهب، رئيس جامعة دار الكلمة في بيت لحم

وعرض ثلاثة مسارات اعتبرها ضرورية لبناء مبادرات فاعلة: الانتقال من ردّ الفعل إلى المبادرة، اختيار التوقيت المناسب، ومنح الرمزية الإنسانية وزنًا عمليًا يتجاوز الخطابات النظرية. واستشهد بمشهد كاهن في بيت لحم يوزّع الماء والخبز على الصائمين عند موعد الإفطار، وبمشهد رئيسة وزراء نيوزيلندا وهي ترتدي غطاء الرأس لزيارة المسجد وتعزية المسلمين بعد الهجوم الإرهابي الذي استهدف المصلّين.

من جانبها، تحدّثت اللاهوتية الكاثوليكية والناشطة في مجال السلام آنا-ماريا رافاي من كرواتيا عن المشهد الصربي–الكرواتي وتعقيدات العلاقة بين الأرثوذكس والكاثوليك والمسلمين في البلقان. واعتبرت أن الكنائس في المنطقة لا تُرى دائمًا كمساحات لصناعة السلام، وأن المصالحة تحتاج إلى شجاعة ونقد للخطابات القومية المتطرّفة. وأشارت إلى مبادرات يقودها مؤمنون من مختلف الأديان، من بينها مجموعة “مؤمنون من أجل السلام”، التي تعمل على الانتقال من خطاب دفاعي إلى مقاربة حوارية.

أمّا الباحثة الأوكرانية تاتيانا كالينيشينكو فركّزت على تداعيات الحرب الروسية–الأوكرانية، قائلة إن الأزمات قد تفتح الباب أمام إعادة بناء دور المؤسسات الدينية إذا ما بادرت إلى مراجعة ذاتية تعيد صياغة حضورها في المجتمع. ولفتت إلى أن مبادرات السلام في أوكرانيا تُسهِم في جمع أشخاص من توجهات سياسية متباينة، وتساعدهم على طرح أسئلة تتصل بعلاقة الدين بالدولة، وبكيفية مواجهة مظاهر التطرّف في الطرفين.

وانتهى اللقاء إلى تأكيد أن حضور الدين في النزاعات المعاصرة عنصر أساسي، وأن التعامل الجاد معه يقتضي فهمًا أدق لدور الفاعلين الدينيين، وإمكاناتهم في إعادة بناء الثقة وفتح مسارات سلام واقعية وقابلة للتطبيق.